أمة التقوى لو أن ملكاً من ملوك الأرض بنا قصراً جميلاً فاخراً ثم دعا أحد رعاياه لسكنى ذلك القصر بشروط ميسرة فأبى ذلك الرجل السكنى بماذا يحكم عليه الناس ؟ كم نسمع ونشاهد في المجتمع من أناس يبذلون من أوقاتهم ومن كرامتهم ومن صحتهم بل وأحياناً حتى من دينهم لينالوا عرضاً من الدنيا يرحلون عما قريب ويتركونه ! وأنتم معاشر الأحبة أمامكم عرضاً ربانياً سخياَ أمامكم عرضاً بأن تحيوا حياة في نعيم أبدي سرمدي لا يحول ولا يزول لا تشوبه المنغصات ولا تطرأ عليه المكدرات إنه نعيم الجنة ، فمن ذا الذي بنى الجنة ؟ من الذي زينها ؟ من الذي طيبها ؟ إنه الله ، وقد أخبركم بأنه أعد لكم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وقد جئت اليوم أحمل لكم بشرى من الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حيث قال : ((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى))(2)، فيالها من بشرى يرقص القلب لها فرحاً و تنتعش لها الأرواح مرحاً ، أرأيتم مدى كرم الكريم بكم يا أمة خير البرية كلكم تدخلون الجنة إلا من أبى فيا عجباً لمن أبى ! عجباً لمن أعرض عن التوحيد الذي جاء به خير البرية أعرض عن أبواب الحي الذي لا يموت التي لا تغلق وذهب يتوسل بهلكى وموتى لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً عجباً له كيف أبى ؟ عجباً لمن نسي قدرة الله في تصريف الكون فذهب لعمى بصيرته يستعين بالسحرة والدجالين والمشعوذين ليقضوا له حاجاته الدنيئة و ليتسبب في أذية عباد الله وما علم ذلك الجاهل أنه لا يحدث شيء في ملك الله إلا ما أراده الله ما علم أنه يهلك دنياه ويوبق أخرته فعجباً له كيف أبى ؟ عجباً لرجل رزقه الله زوجة يقضي فيها وطره بالحلال عجباً له كيف تحول إلى ذئب بشري ضار يتسكع خلف النساء في الأسواق أو من خلال أسلاك الهاتف أو هو على الأقل يتنقل بين فحش ومجون القنوات بحثاً عن اللذة المحرمة أو الصورة المحرمة عجباً له كيف أبى ؟ عجباً لشاب يعمل عمل قوم لوط كيف لم يتنبه إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ))(7)،عجباً له كيف أبى ؟عجباً لامرأة أكرمها الله بالزوج والأولاد فإذا هي تبحث عن عشيق أو خليل وترتمي في أحضان كل فاجر عجباً لها كيف تأبى ؟ عجباً لفتاة أكرمها الله بالحجاب والستر والعفاف ثم هي تسعى لخلع حجابها والنزول من عليائها لتكون سلعة مبتذلة ولعبة في أيدي خسيسة تسعى لتدمير عزها وشرفها عجباً لها كيف تكون قدوة سوء لأمتها عجباً لها كيف تأبى ؟ عجباً لامرأة تتزين وتتعطر ثم تخرج من بيتها عجباً لها كيف غفلت عن قول الهادي البشير : ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ))(6)، عجباً لها كيف تتكسر في مشيتها مالها نسيت قول البشير النذير: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ
*****